« الأشقياء الدنيا وليس استطاعة ائس مثلي شيئًا من بؤسهم وشقائهم، فلا أقل من أن العبرات، علهم بكائي عليهم تعزية وسلوى »
ظللت في غدوي ورواحي أحمل العبرات تحت إبطي, كنت أدمن تلك القصص المثقلة بآلام البؤساء, وتلك الأسماء الغريبة علي سمعي حينذاك, مارجريت جوتييه وفلورندا فليب وجوستاف روستان والفتى جلبرت, بعد سنين عرفت لماذا يطلقون على المنفلوطي عبقري الأدب, أغلب تلك القصص مترجمات أدبية كلاسيكية, والغريب أن المنفلوطي لم يكن يعرف لغة أجنبية واحدة من تلك اللغات كما هو المتوقع, لكنه كان يذهب إلي أحد المترجمين ليحكي له صلب القصة وتفاصيلها العامة, ثم يمسك هو قلمه البديع ليصوغ القصة بأسلوب رصين رهيب الطابع, تفاصيل غاية في الروعة, لذلك تعتبر تلك الكتابات اع قلم المنفلوطي اته، بالطبع الت عبراتي مما فقد كنت غرًا ا ساعتها، الأدب الحقيقي الذي لك تارة ارة ا ال ل له، ابتعت قميصًا، الشىء المحير سنتين لم قميص واحد، قبلها كان لدي قميصان منذ ات، أي استهلك قميصًا ل ا ال ا, تقريبا لا أذهب لزيارة أحد أو أحضر مناسبات معتادة, أنا في عزلتي أقرب براهب أعته, المترجمات الأدبية من اللغات الاخرى تحتاج لمترجم ماهر, في الحقيقة إذا كان المترجم ذا دربة وذا قلم ماهر استطاع أن يخرج لنا تحفة أجدر لأن تحمل اسمه جنبا لجنب مع اسم المؤلف, عندما قرأت رباعيات الخيام بترجمة رامي, عرفت كيف كان رامي شاعرا من النوع الثقيل, أن تترجم شعرا فارسيا لتجعله مقطوعات شعرية بأوزان عربية فصيحة بتلك السلاسة والعذوبة لهو أمر صعب, لكن بدربة قلم شاعر خبير مثل أحمد رامي صار الأمر أشبه بإبداع خالص لا ل رامي الخيام:
في نفسي دبيب الفناء
لم أصب في العيش إلا الشقاء
ا حسرتا حان حيني ولم
لفكري حل لغز القضاء
***
أيامي ولا تغتدي
ا الريح الفدفد
ا النفس ا على
أمس المنقضي والغد
***
ا ما هذا الأسى والكدر
وقع الإثم اع الحذر
ل ذاق حلو العفو إلا الذي
والله ا واغتفر
***
امل كأهليك الغريب الوفي
اقطع من الأهل الذي لا يفي
عف زلالًا ليس فيه الشفا
اشرب زعاف السم لو تشتفي
***
ا ورد أشبهت خدود الحسان
ا لي اكيت الجمان
يا حظي تنكرت لي
من قبل الأخ المستعان
***
ا الدنيا ال يزول
ا فيها يطول
ا بعيد المدى
مداه سيكون الأفول
***
ا قلب تشقى بهذا الوجود
ل يوم لك همّ جديد
يا روحي ماذا جنت
وأخراك رحيل بعيد
***
لا تحسبوا أخاف الزمان
أرهب الموت ا الموت حان
الموت حق لست الردى
ا فوات الأوان
كل أعلام بدايات القرن كانوا مثقفين من النوع الثقيل, وذوي دربة في تعلم اللغات الأجنبية والنقل عنها, ترجمات المازني لبعض المقطوعات الشعرية الأجنبية غاية في الطرافة والتمكن, انظر مثلا نظمه لبعض أبيات الشاعر الألماني الشهير هينه, والتي طلب أن تنقش على قبره من باب السخرية المرة التي اشتهر بها:
ا الزائر قبري
اتل ما أمامك
اهنا، اعلم: عظامي
ليتها انت عظامك
اهيم المازني لطيف للغاية، لىء السخرية المرة اريف الحياة، قرأت له « صندوق الدنيا » « حصاد الهشيم »
على هذه الحياة الستائر*** وتطفأ أنوار، ويقفر سامر
ل راق هذا الناس قصة حياتي؟*** وماذا يبالي من طوته المقابر
لهم من قبل موتي وصية *** نظير التي وصت بها لي، المقادر
لأعدائي، كان لي عدى*** همومي وما منه، أنا الدهر، ثائر
للمحبوب بالسهد والضنى*** وبالدمع لا يراقا، ولا هو هامر
الجدري وجهه ليزينه*** العرج المشنوء، والله قادر
الضعف والأملاق والبأس والجوى*** وبالقسم حتى تتقيه النواظر
للشيب بالأوجاع في كل مفصل*** وبالثكل في الأبناء والجد عاثر
ل سقام تركت لذى الصبا*** وما منه في الحياة أحاذر
للناس لوان الشقاء، وإنني *** ا لا لى من يخامر.
كنت أحاول أن أغالب آلام بطني الممضة حينما أخبرني نذير شؤم بقدومه, بدأت خيوط اللعبة تضعف رويدا رويدا أمام عيني, هذه المرة لابد من المواجهة, لا مجال للهروب, إلي جانب أن الأمور تسير نحو الأسوأ دائما, ليس هناك أسوأ من تلك الحال التي صرنا إليها اية الأمر قمت وخرجت ا غاية الألم، الحائط وأنا المصعد، ا اء المصعد ل ل حالة غبية من الحزن التلقائي, ظلت الفتاة تعبث بأزرار تليفونها المحمول في محاولات لجذب الانتباه, حقيقة ليس هناك ألطف على قلوب الرجال من امرأة في مصعد, لكن تفكيري في سبيل للتخلص من تلك المرواغة الرخيصة كانت تطارد حزوزات عقلي, حتى أني لم أهتم بإمساك باب المصعد لها حتى تخرج كما يفعل أغلب الرجال المهذبين, خرجت ثائرا وأنا لا أعلم إلي أين أنا ذاهب, ثروت عكاشة يستحق أن نطلق عليه المترجم المحقق, الرجل غاص في أعماق الآداب اليونانية القديمة ليخرج لنا تحفا إبداعية رهيبة أشبه بمشاريع تستغرق سنوات طويلة, أطلعت بالطبع على لكتاب « فن الهوى » لأوفيد لكن حقيقةً لم ترجمته لرائعة أوفيد الأخرى المسماة » الكائنات أو Metamorphoseon libri » الإنسان البسيط في عقيدته, إله أغريقي يتحول في صورة حيوانية لكي يخالس فتاة بشرية النظر لهو أمر لا تحتمله عقول الصغار, لو قلنا هذا الكلام لمتخصصي الأدب لوصفونا بالتخلف والغباء, ما فائدة أدب بلا فضيلة, قرأت قبلها رائعتي هوميروس « الإلياذة » و « الأوديسا » , ترجمة دريني خشبة, ترجمة رصينة لجوهرتي الأدب الأغريقي, ظللت مع الاغريق تسع سنوات أحاصر « طروادة » حتى استطعنا إدخال الحصان الخشبي وإسقاط المدينة, وفي رحلة العودة بعد الظفر بأسلاب المدينة مع أوديسيوس ملك إيثاكا قاسيت الأهوال في رحلتي البحرية مع البطل المحارب, أشبه برحلات السندباد البحري بحوره السبعة، وأخيرًا اكتحلت ا برؤية زوجه المخلصة بنلوبي وولده تليماك، ا لحال سبيلي الواقع، العجيب أن ا ل ل متين, وأنا أشهد بأن دريني بذل مجهودا مميزا من النوع الفذ في ترجمة تلك التحفتين الأدبيتين, هناك أيضا إلياذة فرجيل الشاعر الأغريقي الأشهر, لكن لم يتسن لي امتلاكها, ربما بحثت عنها, فأغلب هذه الأشياء ملقاة بإهمال عند باعة الكتب القديمة وقد زهد فيها الكثيرون, حركة الترجمة لها شاهد في تاريخنا الإسلامي, طلب الرسول عليه الصلاة والسلام من زيد بن ثابت أن يتقن اللغة السريانية لأنه لا يأمن اليهود على كتبه, تعلمها زيد في سبعة عشر يوما, كما ورد في بعض الروايات, أي ذكاء هذا, ربما احتاج الإنسان قرابة سنة لكي يتقن لغة ما كتابة وقراءة, ترجم الفلاسفة المسلمون كتابات أفلاطون وسقراط وأرسطو للعربية, أي بحر من الشكوك أدخلوه علينا, متكلمة العصر العباسي ومناطقته, ابن سينا وابن رشد والفارابي وتأتي بقية القائمة, طالعت أيضا ترجمة ابن المقفع لأساطير « كليلة ودمنة », يقول إنه ا الهندية لمؤلفها ا، لكن أقرب للحقيقة أنها تأليف ابن المقفع ال ل ل ا ذاتها، ات لويس لتوماس ليوت وديوانه « الأرض الخراب » افات ات، لابد لى اطفي اتي، كل ال احدة، لن ال ل ل المثل الشعبي:
« اللي يحوجك الزمان لقفاه، واللي النهارده بكره »
ا عدت ثانية لتلك المترجمات في خاطرة أخرى، الآن أين أذهب، كم في جيبي من نقود؟